«الحريديم».. يهود ضد إسرائيل!

الحريديم اليهود فى إسرائيل
الحريديم اليهود فى إسرائيل

إيثار حمدى
الدولة على وشك الانهيار التام.. هذا ما كشف عنه وزير السياحة فى إسرائيل أساف زمير عندما سبق وأعلن استقالته، ليترك نتنياهو يتحمل نتيجة فشله فى التعامل مع أزمة كورونا التي تهدد الكيان الصهيوني بحصاد الأرواح، فى الوقت الذي تتعاون جماعة الحريديم «20% من الشعب» مع الفيروس فى القيام بمهمته على أكمل وجه، ولا تستطيع الحكومة السيطرة عليهم!.


الحريديم هى جماعة من اليهود المتدينين المتشددين، ممن يطبقون الطقوس الدينية ويعيشون حياتهم اليومية وفق التفاصيل الدقيقة للشريعة اليهودية.. وحريديم جمع كلمة «حريدي» وتعنى «التقى»، وربما تكون مأخوذة من الفعل «حرد» بمعنى غضب واعتزل الناس.


بعد إقامة الكيان الإسرائيلى على أرض فلسطين، كانت الطائفة لا تتجاوز 1%، لكن اليوم تتراوح أعدادها بين 12−20%، فيما تعتبر الطقوس الدينية التى تلتزم بها «الحريديم» الأكثر بشاعة وغرابة.


الموت هو العقوبة التى يكسر فيها أحدهم حرمة يوم السبت، حيث يحظرون فيه القيام بـ39 عملا، أهمها البيع والشراء وإشعال الإنارة، فى حين يمنعون دخول الشرطة أو الإسعاف أو الطوارئ إلى الأحياء التى يعيشون فيها حتى عند حدوث حريق يمنعون طواقم الدفاع المدنى من الدخول.
وإذا كانت طائفة «الحريديم» تنقسم إلى تيارات دينية عديدة مثل الليتوانى أو «الحريدى المركزي»، والحسيديم «من الحصيد»، وهم من يشبهون أنفسهم بجذور الأرض «والسفاراديم» اليهود الشرقيون المتشددون، فإن «الحريديم الصوفيين» يحرمون الطعام العادي، حيث يتوجب عليهم شراء الطعام المراقب دينيا والمختوم بختم طائفتهم فقط.


ويخضع الحريديم إلى طقس الطهارة أو ما يعرف بـ«الحمام الطقسي»، حيث يفرض على كل سيدة من الطائفة المرور بهذا الطقس، على الأقل لمدة 12 يوما فى الشهر الواحد، إضافة إلى تعاليمهم التى تفرض عدم امتلاك أى كوب أو إناء قبل أن يمر بـ«الحمام الطقسي» حتى يباركه الحاخام.


ويختلف تصميم مطابخهم عن غيرهم من المواطنين، حيث يوجد حوضان لغسيل الأطباق والأوعية المتسخة، لحظر غسل الأطباق التى تحتفظ ببقايا مشتقات الألبان مع التى تحتوى على بقايا اللحوم، وضرورة مرور نحو 6 ساعات كفارق زمني، بين تناول اللحوم ومشتقات الألبان.


وتقلل طوائف الحريديم من شأن المرأة، وتقوم بتعنيفها بكافة الأشكال، مختصرة المرأة بكونها كائن نجس مهمته الإنجاب فقط، ويفرضون عليها السير على أرصفة وممرات خاصة بهن فقط، دون الرجال، وارتداء الملابس السوداء الواسعة والنقاب، حتى أن هناك من يفرض على المرأة أن تضع الكرتون على جسمها حتى لا يظهر منه شيء، كما أنها تحلق شعر رأسها بمجرد الزواج ويحرم عليها إطالته مرة أخرى، فهم ينظرون للشعر كإغراء للرجل فيجب حلقه وترتدى المرأة بدلا منه الباروكة أو غطاء الرأس كى لا تصبح مغرية لرجل غير زوجها، ويحظر الدين اليهودى المتشدد على الرجل الجلوس على مقعد كانت تجلس عليه سيدة، إلا بعد مرور 10 دقائق على مغادرتها للمقعد.


أما الرجال فيرتدون ثيابا مميزة وهى القبعة السوداء والمعطف الأسود الطويل وتحته القميص الأبيض.


ويعيش الحريديم حياة بدائية، يحظر عليهم اقتناء الأدوات التكنولوجية الحديثة كالهواتف النقالة، والحاسوب الآلى المحمول، كما أنهم لا يزورون الأطباء فيما يتعلق بأمور الإنجاب، فتشتهر هذه الطائفة بكثرة الإنجاب، وهناك من يعتقدون بأنه تم إحضارهم لإسرائيل كى يقوموا بوظيفة الإنجاب وكانوا يتقاضون المال مقابل ذلك.
وتنشط بعض الجماعات من اليهود المتشددين، التابعة لطائفة الحريديم فى إلحاق الضرر بالممتلكات الفلسطينية فى الضفة الغربية، كتدمير سياراتهم والتعرض لهم بالضرب والعنف، ومنهم من يعيش على عمليات تهريب المخدرات.


وبسبب سطوة الطائفة فإن النظام السياسى يغازل الطائفة الحريدية، لكن الحريديم يحاولون الاحتيال على الدين والشريعة التى يدينون بها عبر طرق مختلفة، فيكلفون أشخاصا غير يهود للقيام بأعمالهم التى يتوجب عليهم أن يقوموا بها يوم السبت، كى لا يكسروا هم أنفسهم حرمة هذا اليوم.
وعارض الحريديم بكل تياراتهم وطوائفهم التجنيد، فتم إعفاؤهم من الخدمة العسكرية منذ قيام إسرائيل إثر تفاهمات عرفت باسم «الوضع القائم«، وقضت بأن يدرس الشبان «الحريديم« فى المعاهد الدينية اليهودية لتدريس التوراة، ويحصلون على مخصصات مقابل أن يكون عملهم الأساسى هو تعلم التوراة والتعاليم الدينية اليهودية.


وفى ظل تمسك الحكومة الإسرائيلية بفرض التجنيد على «الحريديم«، أجمعت كل تياراتهم على معارضة ورفض الانخراط فى الجيش الذى اعتبروه مفسدة للأخلاق المجتمعية وتهديدا للمعاهد والقيم الدينية وتعاليم التوراة.


ورفض الحريديم المشاركة فى حرب عام 1948، وأعلنوا وقتها عن موقفهم بأنه لا يوجد «للحريديم« أى مشكلة مع العرب والشعب الفلسطينى وليذهب اليهود العلمانيون ليحاربوهم.


ومن أبرز سمات المجتمع المتدين اليهودى بشكل عام والحريديم بشكل خاص، أنهم لا يستمعون إلا لزعيمهم الديني، ولا يرضخون للسلطة ولا يعيرونها أدنى اهتمام، خاصة أن هؤلاء لا يستخدمون الوسائل التكنولوجية وبالتالى فإنهم لا يشاهدون التلفاز ولا يستمعون للإذاعات كما لا يقرأون الصحف، وكان ذلك أحد أهم الأسباب التى عمقت الأزمة بينهم وبين الحكومة خلال جائحة كورونا.


يرى الحريديم ممن يسكنون فى القدس المحتلة أن الدولة لم تتأسس فى الوقت الصحيح، وكان على السياسيين انتظار مجيء المسيح لإقامة الدولة وبناء الهيكل الثالث، لذا فإنهم يعتبرون الدولة الحالية حراما وغير شرعية، ويعتقدون أنه لولا صلاتهم ودعواتهم وحبهم للتوراة ما كانت دولة إسرائيل قائمة حتى الآن. 


ويدفعهم دائما هذا التزمت للتهجم على الدولة ورموزها، ولعل سبهم للشرطة التى انتشرت للحد من تحركهم فى أحيائهم مؤخرا بسبب تفشى كورونا بكلمة «نازيين« كانت من أسوأ الشتائم فى تاريخ المجتمع الإسرائيلي.


ومع تفشى الفيروس فى أحياء الحريديم ورفضهم الامتثال لتعليمات الجهات الرسمية، تعززت الكراهية، خاصة أن الحكومة أمرت بإغلاق المدارس الدينية وبرك «الطهارة العامة« التى يرتادوها للتطهر حسب طقوسهم، وكانت هذه أقوى صفعة تلقاها الحريديم لأن الرجال لا يعودون لمنازلهم منها إلا نادرا، ونشأت مشاكل اجتماعية كبيرة على إثر ذلك.


ومع إغلاق برك الطهارة العامة، تفاقمت الأزمة لأنه يحرم على المرأة الحريدية الجماع مع زوجها بعد انتهاء الدورة الشهرية قبل التطهر فى هذه البرك التى أنشئت خصيصا بهذه التجمعات.


ويتعامل المجتمع الإسرائيلى معهم على أنهم مجموعة واحدة متشابهة إلا أنهم فى الواقع عبارة عن مجتمع غير متجانس، يجسد بداخله اختلافات عديدة.


ويتكون «الحريديم» من ثلاثة تيارات فكرية رئيسية؛ «الليتائيم» ويشكلون 30%، «الحسيديم» ويشكلون النسبة الأكبر من المجتمع الحريدى والبالغة 40%، و«السفراديم« وهو التيار الحريدى الشرقى ونسبته 30 % من مجتمعهم.


يهتم «الليتائيم« وهم ممـثلون فى الكنيست عبر حزب «ديجيل هتوراه«، والمتـفرع من حزب «يهدوت هتوراة» بالتعليم والاجتهاد بل ويعتبره أمرا أساسيا، إذ يتحدد مستوى ومرتبة الأفراد وفقا لذلك.


وتعتبر هذه الفئة منفتحة نسبيا على الحياة الحضرية والعصرية، ويظهر ذلك من خلال الزى الذى يرتدونه، والمتمثل ببدلات عصرية غامقة اللون وقبعات سوداء، كما أن قسما كبيرا منهم مندمج فى سوق العمل بمجالى الصناعة والصناعة التكنولوجية المتقدمة المعروفة بالـ«الهاى تك».


أما «الحسيديم» فينصب التركيز لدى هذا التيار ليس على العلم والاجتهاد؛ بل على «التزام بتعاليم الله»، وعلى مركزية وأهمية القائد الروحي، المعروف بالـ«أدمور»، بالإضافة إلى التركيز على العمل الدنيوي، ورفض أسس التقشف ويجرى عندهم النظر إلى العالم المادى بوصفه تجسيدا للأصل الإلهي.


منذ نشأة التيار الحسيدى تحول لحركة شعبية، قامت بـ إعادة الله إلى اليهودى البسيط، دون الاكتراث لمستواه التعليمي وفق زعمهم، ومن هنا تحول هذا التيار للأقوى.


وهذا التيار مركب من طوائف متنوعة على رأس كل منها يقف الـ «أدمور» بلا منازع ويعتبر قديسا وهو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة، وغالبا ما تنتقل القيادة الحسيدية بالتوريث من جيل لآخر.


وتشتمل الطوائف الحسيدية على ما يسمى بـ «الفناء الحسيدي»، أى أنها مجتمعات مغلقة، تؤمن لأبنائها مستلزمات الحياة، مثل المؤسسات التعليمية والكنيس والمتاجر ومؤسسات التأهيل الحسيدية، بينما الطوائف التى لم يعين لها «أدمور»، لا تتضمن فى تعاليمها «الفناء الحسيدي».


والزى المعتمد لأبناء هذا التيار يميزهم عن غيرهم، وهو المتمثل بمعطف أسود طويل، تتدلى عليه خصلات شعر منسدلة من خلف آذانهم.


«السفراديم«، غالبية المنتمين لهذا التيار هم يهود من أصول عربية وشمال إفريقية، ويعود تأسيس هذا التيار إلى سنوات الخمسينيات، حين تعلم اليهود الشرقيون فى «اليشيبا الليتائية« والمدارس «الأشكنازية» الداخلية وتبنوا طريقة حياتهم ومبادئهم.
ومع أنهم تأثروا بمعلميهم «الأشكناز«، إلا أن المجتمع «الأشكنازي« رفض دمجهم اجتماعيا، مما جعلهم يقيمون أنظمة شرقية حريدية منافسة، حتى وصل بهم الحال لإقامة حركات سياسية تربوية كحزب «شاس«، ويرفض الحريديم بشكل عام العمل أية مناصب وزارية، لكنها تشارك فى الحكومات الائتلافية من خلال تولى منصب نائب وزير، أو لجنة برلمانية مهمة. ويعود السبب فى رفضها تولى حقائب وزارية إلى عدم رغبتهم بأن يكونوا شركاء فى المسئولية السياسية عن قرارات تتناقض مع مضامين الشريعة اليهودية المتشددة.


يشار إلى أن هناك خطوطا وتيارات فرعية عديدة أخرى، ما بين التيارات الثلاثة الكبيرة، منهم؛ حردلينكيم، وهم اليهود الصهيونيون المتدينون الذين يتبنون سمات حسيدية، وتيار «نيو« أو«الطائفة الحريدية« وتكون نسبة صغيرة من مجمل الحريديم، أى ما يعادل 5 بالمائة فقط، هذه الطائفة تتشكل من عدة تيارات «حسيديوت« من أهمها: «ساتمر«، و«تولدوت أهرون«، و«تولدوت أبراهام يتسحاك«، وجماعة «ناطورى كارتا«، وعدد من المجموعات المنعزلة الأخرى.


وفى الوقت الذى اعتقد الحاخام كوك وأتباعه بأن الصهيونية وقيام دولة «إسرائيل« تبشران ببداية الخلاص، رفضت الطائفة الحريدية وبشدة فكرة إقامة دولة اليهود قبل مجيء المسيح، وبحسب اعتقادهم فإن تلك الخطوة تشكل «تمردا على ملك السماء«.