محمود درويش.. أحب يهودية وتزوج مصرية وعمل مستشارًا للرئيس الفلسطيني

محمود درويش
محمود درويش

«أنا أعرف أنَّ صراعي مع الموت هذه المرة.. أن الموت سينتصر»، كتب الشاعر الفلسطيني محمود درويش هذه الجملة السَّابقة على ورقة صغيرة قبل دخوله غرفة عمليات في الولايات المتحدة عام 2008 ليجري جراحة في قلبه، وكانت وصيته كالتالي: «إذا فشلت هذه العملية فارفعوا عنِّي الأجهزة»، فقد كان يشعر أنَّ الموت سينتشله حقًا؛ فكتب هذه الورقة.

 

الشاعر بطبيعته مليء بالحكايات، التجارب، المشاعر المتقلبة والجارفة في آن، ولهذا قال درويش: ما أحتاجه استقرارًا أكثر، أغيّر رأيي، أمكنتي، أساليب كتابتي، الشعر محور حياتي، ما يساعد شعري أفعله وما يضره أتجنبه.

 

درويش يعتبر مؤسسًا لنوع مختلف وجديد من القصيدة العربية الحديثة، ويعتبر رائدًا من رواد ما أطلق عليهِ «شعرًا حداثيًّا»، طوَّر درويش قصيدةً احتفظت برونقها اللغويّ البهي، وكذلك جاءت «حداثية» كما يشتهي الجمهور، يقول الناقد فيصل دراج، عن شعر محمود درويش: أنجز محمود درويش الذي أتقن فن المحوِ والكتابة، قصيدة نوعية جمعت بين "جماهيرية الشعر"، إذ للقصيدة جمهور ينتظرها، و"صيانة الكرامة الشعرية"، إذ القصيدة تلبي ما يريده الشعر ولا تلتفت إلى رغبات "المصفقين"، ولعل هذين البعدين هما اللذان أوجدا "عقدًا شعريًّا" بين درويش وجمهوره، يؤمن للأول الحرية في إبداعه، ويلامس ما هجس به الثاني ولم يهجس به أيضًا.

 

اقرأأيضا||طفولة محمود درويش | لم يحب الجغرافيا وحول معادلات الكيمياء إلى شعر

 

وفي ذكرى ميلاد محمود درويش نسلط الضوء على بعض جوانب من حياته الحافلة .

 

جوانب من حياته

 

ولد درويش في قرية البروة عام 1941، كان الطفل في السابعة حين غادر قريته إثر نكبة 1948، عاد الطفل حين كبر قليلًا إلى قريته ليجدها قد دمرت تمامًا وأنشأ على أنقاضها قرية إسرائيلية أخرى. 

 

قارب درويش على العشرين من عمره وانضم للحزب الشيوعي الإسرائيلي، ربما ستتعجب أن شاعر "المقاومة" قد انضم للحزب الشيوعي، لكنّ الحزب الشيوعي الإسرائيلي يعتبر امتدادًا للحزب الشيوعي الفلسطيني الذي أنشأ في الثلاثينيات من القرن الماضي، دعا الحزب للسلام وللتعايش بين الفلسطينيين واليهود، وكان يمثل صوت المعارضة في إسرائيل.

 

في عام 1965 كان درويش على لقاء مع تجربة السجن الأولى ـ حسب أخيه أحمدـ وهناك مصادر أخرى تؤكد أنه شهد تجربة السجن الأولى عام 1961، كانت هذه التجربة بسبب انتقاله إلى القدس من حيفا للمشاركة في أمسية شعرية دون تصريح من السلطات الإسرائيلية. 

 

بعدها أفرج عن درويش، لكن بشروطٍ ثلاثة، عدم مغادرة حيفا إلا بتصريح، وعدم مغادرة المنزل من غروب الشمس إلى شروقها، وأن يمثل أمام أقرب نقطة بوليس الساعة الرابعة.

 

كانت هذه تجربة السجن الأولى، التي شبهها "درويش" بتجربة الحب الأولى، التي لا تنسى مهما مر الزمن، وقد مر درويش بتجارب عديدة مع السلطات الإسرائيلية، إلى أن اختار المنفى متنقلًا بين موسكو والقاهرة وبيروت وباريس والأردن ورام الله، ولكن هذه الفترة من عمره شهدت قصة حبه الأولى كذلك مع قصة سجنه .

 

قصة حبه الأولى

 

"صحيح أنك لست عندي الآن، لكنك ما زلت معي.. أسمع صوتك يعوم في نور عينيك، أتكئ على كتفك، أتناول الطعام وإياك وأضغط على يدك المستقرة بيدي كعصفور لا يرغب أن يطير.. إلى أين يطير؟ من عندي إلى عندي.. تماري أراك وأشعر بك كل لحظة، بوسعك أن تخلدي للنوم بهدوء دون أحلام مزعجة وبلا ظنون.. أنت في غرفتي، داخل سريري، في حقيبتي، في كتابي، في قلمي، في قلبي، وفي دمي.. ثمة أمر جديد أريد أن أكشفه لك فلا تندهشي، اليوم حدّقت بالمرآة وشاهدت محمودًا جديدًا، أكثر حلاوة وصحة وسعادة.. تماري، لن أسألك هذه المرة متى نلتقي؛ لأننا معًا"، بعضا من رسالة درويش إلى حبيبته ريتَّا، واسمها الحقيقي تماري بن عامي .

 

في فيلم «أنا عربي» تناولت المخرجة قصة درويش وحبيبته، قابلتها حيث تستقر في ألمانيا وقد تجاوزت الستين، أخرجت ريتا بعض كواليس عن العلاقة وبعض الرسائل التي كتبها درويش لها، كان "درويش" متحفظًا في الحديث عن ريتا، ربَّما بسبب كونه شاعر المقاومة، وعضوًا لامعًا في منظمة التحرير الفلسطينية، ثم مستشارًا للرئيس ياسر عرفات، لكنَّ الحكاية عرفت بعد موته على لسان ريتَّا نفسها.

 

حيث كانت ريتا راقصة في السادسة عشر من عمرها، محمود درويش كان في العشرين فقط من عُمره، تعرف عليها في إحدى حفلات الحزب الشيوعي الإسرائيلي، أحبا بعضهما البعض ودخلا في علاقة عاطفية، كانت أمّ "ريتَّا" بولندية وأبوها روسيًّا، كانا موافقين على العلاقة لأنهما شيوعيان، بمرور الوقت هاجر محمود درويش من فلسطين وتنقل في عواصم مختلفة من العالم، انقطعت العلاقة بينه وبين ريتَّا، لكن للقصة تكملة.

 

بعدما اندمج درويش في المناصب السياسية، وبعد كتاباته للمقاومة، و"الأرض" و"المحتل" كان لابد أن يكون ذا موقف واضح، في باريس التقته "ريتا" بعد مضي سنوات بعيدة على فراقهما. 

 

كان اللقاء فاترًا وقصيرًا كما قالت ريتَّا، حاولت التواصل معه مرات عديدة، وكان لا يرد عليها، ظلَّت تتصل عليه حتى رد عليها حانقًا ليخبرها أنه لا يستطيع أن يكمل معها العلاقة وأخبرها أنها "لا تلاحظ بما يحيط بهما"، كانت هذه النهاية الدرامية للحب الأول لدرويش.

 

تجربة طلاقه الثاني

 

«لم نُصب بأية جراح، انفصلنا بسلام، لم أتزوج مرة ثالثة ولن أتزوج، إنني مدمن على الوحدة.. لم أشأ أبدًا أن يكون لي أولاد، وقد أكون خائفًا من المسؤولية، ما أحتاجه استقرارًا أكثر، أغير رأيي، أمكنتي، أساليب كتابتي، الشعر محور حياتي، ما يساعد شعري أفعله وما يضره أتجنبه»، بهذه الكلمات تحدث "درويش" عن تجربة طلاقه الثاني  .

 

تزوج درويش مرتين، المرة الأولى من فتاة تصغره بستة عشر عامًا، تدعى رنا قباني ابنة أخ نزار قباني، كان القدر قد ساقها لحضور أمسية شعرية لدرويش في واشنطن، لم ينتقل نظره من عليها، وحين نظرت في عينيه وجدتهُ ينظر لقدميها، بعد الأمسية طلب منها الزواج ووافقت، كان زواجًا سريعًا استمر لثلاث أو أربع سنوات من التوتر والتقلب المزاجي، بدأت رنا في كتابة مقالات تتحدث عن علاقتها بدرويش، على أن تجمعها في كتاب كامل. 

 

بالنهاية من يأمن مزاج شاعر؟ أحبّ درويش الشعر واعتبرهُ محور حياته، تزوج مرة أخرى من المصرية حياة الهيني، استمر الزواج أشهرًا وانفصلا دون أية جراح كما قال كلاهما، في هذه الفترة كتب درويش قصيدته الشهيرة: يطيرُ الحمامُ.. يحطُّ الحمام.

 

وفي سياقات أخرى متعددة صرح درويش أن الشعر هو حياته، تدور حياته حول شعره، ولا شيء أكثر، لم يتزوج لأكثر من خمس سنوات ولم يرزق بالولد، لكنه خلف أكثر من ثلاثين ديوانًا من الشِّعر والنثر، إضافةً إلى ثمانية كتب.

 

مواقفه السياسية

 

عرف لدرويش مواقف سياسية بالطبع، لكن شعره عرف أكثر، حيث انضم للحزب الشيوعي الإسرائيلي الداعم للسلام في شبابه، ثم ترك فلسطين ورحل، وعندما كان في القاهرة بعث باستقالته إلى الحزب، عُين عضوًا تنفيذيا بمنظمة التحرير الفلسطينية، ومستشارًا للرئيس ياسر عرفات. 

 

وفي عام 1988 أعلن الرئيس عرفات عن استقلال فلسطين في خطاب من الجزائر، كان درويش هو الذي كتب نص البيان الذي تلاه عرفات، ثم استقال "درويش" عام 1993 احتجاجًا على اتفاقية أوسلو، وعاد إلى رام الله عام 1994 ليستقر فيها.


درويش شاعرًا

 

كتب درويش القصيدة الحديثة، والنثر، والمقالات كذلك، لكنه حين كتب كتابه الأخير من سيرته الذاتية "في حضرة الغياب"، صاح أمام أصدقائه: الآن، أصبحتُ شاعرًا، لا يحاول درويش أن يوضح كيف أصبح شاعرًا قبل وفاته فقط بسنتين، وكل دواوينه السابقة ألم تكن شعرًا؟ .

 

ولكن كان "درويش" يقصد أنه استطاع تقليص المسافة البعيدة بين الشعر والنثر، استطاع "درويش" أن يقوم بمهمته الشعرية بحرفية بالغة، في ديوانه الصادر عام 2005 "كزهر اللوز أو أبعد" يصدر درويش ديوانه بمقولة أبي حيان التوحيدي: أحسنُ الكلام… ما قامت صورته بين نظمٍ كأنَّهُ نثر، ونثرٍ كأنَّهُ نَظم، وبهذا أعلن محمود درويش أنه أصبح شاعرًا .