رفعت الجلسة | شـيطان في ثوب امرأة

 شـيطان فى ثـوب امــرأة
شـيطان فى ثـوب امــرأة

أخبر القاضى أنه مريض، لا يقوى على الحديث، فقد وهن قلبه، وسكنه المرض ولم يعد قادرا حتى على الحركة.. أصبحت أيامه معدودة، بعد أن وصل  ضعف عضلة القلب  عند ٤٥٪.. لكن مصابه جلل هكذا برر للمحكمة حضوره جلسة النفقة المقامة من زوجته.


كان المرض بالفعل قد سيطر على جميع حركات هذا الرجل، يده ترتعش فى كل ثانية يقبض بها على العصا عندما يحاول أن يعدل جلسته، ثم يتبعها بنفس طويل، وكأنه يسرقه من الهواء، خفية أن يفقده فلا يرى الدنيا مرة أخرى.


دقائق وانعقدت الجلسة، وقرر القاضى أن يستمع إلى زوجة الرجل فى دعاوى النفقة المقامة منها ضده، وبعدها يستمع إلى بناته الثلاث.

 
 كالت الزوجة الاتهامات للزوج المريض، وصفته بأبشع الألفاظ، أخبرت القاضى أنه يمتلك المال، لكنه يبخل فى الإنفاق على بناته، عددت للمحكمة أملاكه، وأمواله، ثم قدمت ما يفيد مرتبه الذى كان يتقاضاه عند سفره للعمل فى السعودية.


طلب القاضى من الزوجة أن تكتفى بما قالته، ثم أحضر البنات، وسألهن هل ينفق ذلك الأب عليكن؟، فكانت الإجابة معدة مسبقا، نعم عاما كاملا سيدى القاضى لا ينفق علينا ولا نراه، ولا يزورنا، ولا نزوره، فقد أغلق باب بيته على نفسه، وقرر أن يحرمنا من كل شىء.


لم يبال ذلك الأب بكلام زوجته فهو يعرف حقيقة ما تسعى إليه، فقد عاش معها 20 عاما ويعلم مكرها، ودهاءها، وخبرتها فى إيذائه والاستيلاء على كل أمواله بطرق شرعية وغير شرعية.


لكن تغيرت ملامحه فجأة، عندما استدعى القاضى بناته للشهادة، توتر، ثم زادت رعشة يده، فما يسمعه لا يمت للحقيقة بصلة، بل كاد يفقد عقله عندما زعمت بناته للقاضى «أنه قد تبرأ منهن».


هنا فى هذه اللحظة، وقف الجسد الذى كان لا يقوى على الحركة، استقام الظهر إلى الأعلى للمرة الأولى منذ عام دون تعب، القى بعصاه بعيدا، ثم طلب وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة، من القاضى الحديث.. كان بالفعل يصرخ داخل القاعة، ظل يتحدث بصوت مرتفع «كذب سيدى القاضى، سأدلى شهادتى، بعدها أتمنى أن ألقى ربى، فلم يعد لى رغبة فى الحياة».


هدأه القاضى بكلمات الطمأنينة، أخبره أنه سيسمعه وسيعطيه الحرية فى الكلام، لكن يجب أن يوجه حديثه للمحكمة فقط، وأن يتحدث بصوت منخفض وفى سياق الدعوى المقامة ضده.


قال: «سيدى القاضى كنت شابا بسيطا، ابن أصول كما يقولون، شقيقتى وزوجها أساتذة بالجامعة، وشقيقى الآخر مهندس، والثالث طبيب، ووالدى كان وكيل وزارة التربية والتعليم.


لم يكن لى رغبة فى الزواج، لكن إلحاح والدتى، دفعنى للزواج من ابن عمة والدتى، وكانت أسرتها فقيرة، ولا عيب فى ذلك..، تزوجنا سيدى القاضى، وبمجرد أن دخلت زوجتى منزلى، كرهت عائلتى، غارت من غناهم، وقررت أن تفرقنا عن أشقائى.


مرت السنوات، حتى رزقنى الله بعمل فى السعودية، وفوجئت بزوجتى تخبرنى أنها أصبحت تعامل أهلى معاملة حسنة، وأنها ترغب فى السفر إلى السعودية والحج.


حققت لها رغبتها، سافرت، لكنها لم تنتظر كثيرا، قررت العمل، وقامت بإعطاء دروس خصوصية لأبناء جيراننا السعوديين، رغم أنها حاصلة على بكالوريوس تجارة.


حققت أموالا كثيرة، بعدها طلبت منى أن تعود إلى مصر، وبعد أن عادت، فوجئت بمعاملتها السيئة لأهلى شكوتهم المتزايد منها، أدركت أنها كذبت على من أجل السفر إلى السعودية.


مر عام سيدى القاضى وزوجتى تعاملنى معاملة سيئة، وأنا فى نفس الوقت أرسل لها كافة أموالى وراتبى، حتى لا تحرم أبنائى من شيء، إلى أن فوجئت بشرائها 3 شقق سكنية فى العبور والشروق والمنيا وقامت بتسجيلها باسمها، وأسماء شقيقيها.


مرضت  وانا فى السعودية، دخلت إلى المستشفى، أجريت 3 عمليات تركيب دعامات فى القلب، رغم أن عمرى لم يتجاوز الخمسين عاما، بعدها قرر صاحب العمل الاستغناء عنى بسبب مرضى، حيث أصبحت لا أقوى على العمل بعد ضعف القلب، وقام بمنحى مكافأة نهاية خدمة 


 عدت إلى القاهرة، وعندما علمت زوجتى باستغناء الشغل عنى، طلبت الطلاق.. وبدأت تعايرنى بمرضى، وافقت على طلبها، فلم يعد هناك متسع لتحمل تلك السيدة، وأفعالها، جلست فى منزلى بمفردى، فقد أخذت زوجتى البنات الثلاث وسافرت إلى أهلها فى المنيا، حتى فوجئت باتصال من ابنتى الكبرى تخبرنى أنها وشقيقتيها يريدن العيش معى، سعدت بهذا الخبر، وبعد أيام حضرن للعيش معى، لكن تعب شقيقتى فى المنيا دفعنى إلى السفر لزيارتها والاطمئنان عليها.


عدت إلى منزلى بالقاهرة، ولم أجد عفش البيت ولا بناتى، اتصلت عليهن، فأخبرتنى ابنتى الكبرى أنهن مع والدتهن، ما أحزننى سيدى القاضى، أن زوجتى سرقت كل ما تبقى لى، مكافأة نهاية الخدمة، عفش المنزل، الساعات التى كنت أمتلكها، بعض السلاسل الذهبية الخاصة بوالدتى، وأصبحت أعيش فى منزلى على سجادة المطبخ التى أبقتها .


حاولت سيدى القاضى أن أتكتم الأمر، وحله بشكل ودى، لكن زوجتى رفضت كل المحاولات، تقدمت ببلاغ ضدها واتهمتها بالسرقه، واستشهدت ببناتى، لكن المصيبة سيدى القاضى أنهن كذبن أمام الشرطة، وأنكرنا تواجدهن فى المنزل وقت سفرى إلى المنيا، وتم حفظ البلاغ، فلا جريمة سرقة بين الرجل وزوجته».


في هذه اللحظة ظهر التعب على الاب، لم يعد قادرا على الوقوف، استعان بعصاه، لكن خانته قدماه وكاد يسقط على الأرض.. طلب من القاضى الجلوس، أومأ إليه بالموافقة، بعدها نظر إلى بناته، وقرر أن يوجه رسالة لهن.


قال: «كنت أملك صحة جيدة، أدخلتنى والدتكم فى مشاكل مع أهلى، كرهتنى فى أشقائى، وضعت بينى وبينهم حاجزا كبيرا، لكن رغم ذلك هم الآن من يقفون بجوارى.


هل تعلمون ماذا فعلت تلك الزوجة بعد علمها بطردى من عملى فى السعودية؟، عايرتنى بمرضى، قالت لن أنفق أموالى على رجل مريض لا يقوى على الحركة، لقد قتلتنى بكلماتها، لذلك لم أستطع العيش معها ثانية واحدة».


واختتم حديثه بتوجيه الشكر لهيئة المحكمة، بعدها طلب محاميه التأجيل لتقديم محضر السرقة، والتقارير الطبية.. واستجاب القاضى.. قرر التأجيل لموعد آخر.

رسالة إلى بناتى
التقيت مع الأب على سلالم محكمة الأسرة بالقاهرة.. اكتفى فى الحديث معى برغبته فى توجيه رسالة لبناته، فما يشغله فقط هن.


قال: «لا تعلمون أين أعيش ومن يساعدنى حتى أكمل أيامى فى الحياة، قد يكفيكن دقيقة واحدة تزورنى فيها،  ما يعنينى أنتن، وليس أحدا آخر.. تذكرونى بالحب، واعلموا أننى اخترت الغربة من أجلكم، أما زوجتى.. فانتقام الله قادم.. وأعتقد أن اصابتها بفيروس الكبد، سيكتب نهاية ما اقترفته بحقى وحق أهلى».