قصص القرآن | موسى وفرعون

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

يقول الحق فى سورة القصص: «نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»أي: نقص عليك {مِن نَّبَإِ موسى وَفِرْعَوْنَ والنبأ: الخبر الهام الذى يجب الالتفات إليه، وهل هناك أهم من إرسال موسى عليه السلام إلى مَن ادعى الألوهية؟ لذلك أفرد لهما هذه السورة، فلم يَرِدْ فيها ذِكْر آخر إلا لقارون؛ لأنها تعالج مسألة القمة، مسألة التوحيد، وتردّ علىَ مَنِ ادّعى الألوهية، ونازع الله تعالى فى صفاته».

 

قوله بالحق أن تلاوته وقصصه حق، والقصص مأخوذ من قصِّ الأثر وتتبّعه، وقد اشتُهِر به بعض العرب قديماً، ومهروا فيه حتى إنهم ليعرفون أثر الرجل من أثر المرأة.. ألخ، وقد اشتُهِرت عندهم قصة الرجل الذى فقد جمله، وقابل أحد القصاصين، وسأله عنه فقال: جملك أبتر الذَّنَب؟ قال: نعم، قال: أعور؟ قال: نعم، قال: أعرج؟ عندها لم يشكّ صاحب الجمل أن هذا الرجل هو الذى أخذ جمله، فأمسك به وقاضاه.

 

وفي مجلس القضاء، قال الرجل: والله ما أخذتُ جملك، كلنى رأيتُ الجمل يبعثر بَعْره خلفه، أما هذا فيضع بَعْره مرة واحدة، فعرفتُ أنه مقطوع الذنب، ورأيت أحد أخفافه لا يؤثر فى الرمل فعرفتُ أنه أعرج، ورأيته يأكل من ناحية ويترك الأخرى فعرفتُ أنه أعور.

 

والحق تبارك وتعالى حين يقصُّ علينا يقصُّ الواقع، فقَصص القرآن لا يعرف الخيال كقصص البشر؛ لذلك يسميه القصص الحق، وأحسن القصص، لأنه يروى الواقع طِبْق الأصل.

 

ويقول الحق: «إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِى الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِى نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ «معنى علا من العلو أي: استعلى، والمستعلَى عليه هم رعيته، بل علا على وزرائه والخاصة من رعيته، وعلا حتى على الله عز وجل فادَّعى الألوهية، وهذا منتهى الاستعلاء، ومنتهى الطغيان والتكبُّر، وما دامت عنده هذه الصفات وهو بشر وله هوىً فلابد أنْ يستخدمها فى إذلال رعيته».

 

و«جعل أهلها شيعا»جمع شيعة، وهى الطائفة التى لها استقلالها الخاص، والمفروض فى المُمَلَّك أنْ يُسوِّى بين رعيته، فلا تأخذ طبقة أو جماعة حظوه عن الأخرى، أما فرعون فقد جعل الناس طوائف، ثم يسلِّط بعضها على بعض، ويُسخِّر بعضها لبعض.والقبط كانوا هم سكان مصر والجنس الأساسى بها، ثم لما جاءها يوسف عليه السلام واستقرَّ به الأمر حتى صار على خزائنها، ثم جاء إخوته لأخْذ أقواتهم من مصر، ثم استقروا بها وتناسلوا إلا أنهم احتفظوا بهويتهم فلم يذوبوا فى المجتمع القبطي.

 

وبالمناسبة يخطئ الكثيرون فيظنون أن القبطيَّ يعنى النصرانى وهذا خطأ، فالقطبى يعنى المصرى كجنس أساسى فى مصر، لكن لما استعمرت الدولةُ الرومانية مصرَ كان مع قدوم المسيحية فأطلقوا على القبطي «مسيحي».

 

لكن، ما السبب فى أن فرعون جعل الناس طوائف، تستعبد كلٌّ منها الأخرى؟ قالوا: لأن بنى إسرائيل كانوا فى خدمة المستعمر الذى أزاح حكم الفراعنة، وهم ملوك الرعاة، فلما طُرِد ملوك الرعاة من مصر كان طبيعياً فيمَنْ يحكم مصر أن يضطهد بنى إسرائيل؛ لأنهم كانوا موالين لأعدائه، ويسيرون فى ركابهم، ومن هنا جاء اضطهاد فرعون لبنى إسرائيل.